عرس الفلي

بسم الله الرحمن الرحيم

هي عادة قديمة ، هي مناسبة دينية إجتماعية ، مناسبة سعيدة ، حلم العمر ، فرحة الأهل والأصدقاء ، فرحة الجميع : العـــــرس.
للعرس طعم خاص فالجميع فرحان وسعيد ، كيف لا يفرحون وهي المناسبة التي تجمع رأسين بالحلال، وكذلك يجتمع الأهل والجيران ، بل القرية جميعها تجتمع للمشاركة في هذه الفرحة ، وللعرس طقوس و إجراءات مختلفة ولكني سأختصرها لقسمين:
الأول يختص بالنساء ولهن النصيب الأكبر لما لتلك العادات من خصوصية إرتبطت بالعادات والتقاليد ، والثاني هو العادات المتبعة للعرس عند الرجال.

العرس في فلج القبائل حاله كحال كثير من العادات فقد تأثر بالتغيرات التي طرأت على المجتمع ، فالثقافة والحالة المادية والنسيج الإجتماعي ، جميعها تغيرت مع الزمن وبالتالي تغيرت التقاليد المرتبطة بالعرس، ولكني سأتناول في هذا الموضوع العادات المتبعة في عرس في فلج القبائل في الفترة من الممتدة من نهاية السبعينات إلى نهاية الثمانينات.

فلنبدأ باسم الله : طبعا يسبق العرس إجراءات الخطبة والتي كانت عبارة إتفاق يتم بين النساء أولا، وبعد الحصول على موافقة أب العروس وأمها وطبعا العروس في أغلب الأحيان تكون مغلوبة على أمرها ولا تعرف أي شي عن المعرس لكنها في الغالب توافق لأنه الموضوع بالنسبة لها حلم وتحقق، وطبعا ما كان فيه فضائيات علشان المعرس لازم يكون (يشبه وائل كفوري) ولا ( هي تكون نور وهو يكون مهند)، فالمعرس إما أن يكون إبن عمها أو إبن الجيران ، أو من العائلة وبالتالي فأغلبهم معروفين بالنسبة لها.

وبعد الحصول على الضوء الأخضر ينطلق المعرس مع والده وأعمامه ويذهب لبيت والد العروس ويتم الإتفاق بين الرجال ،ويشمل ذلك المهر والذي يكون نوعان : إما (رطب) ويعني ان المعرس بالإضافة للمهر يتكفل ببعض التكاليف المادية الأخرى مثل ذهب العروس وتكاليف حفل عرس النساء وملابس العروس والحطب و (كمين بقرة وشاة) وغيرها من الأمور المادية التي يتم التراضي ما بين عائلتي العروسين عليها، والثاني يابس وتعني أن المعرس يدفع المهر فقط ويكون مسئول عن حفل عرس الرجال.

طبعا لم تكن الخطبة في تلك الفترة عبارة عن حضور كامل القرية للخطبة والولائم وغيرها من العادات الدخيلة على مجتمعنا مثل تلبيس الدبلة وقطع الكيكة!!!!، بل إقتصرت على بعض الرجال في مجلس والد العروس وأحيانا تتم (الملجه) أو عقد القران في نفس الليلة ويعرف أهل القرية عن طريق سماع إطلاق النار ثلاث طلقات فتعرف إنها تمت الملجه، وغالبا يم تأخيرها لإسبوع العرس.

ثم يأتي بعد ذلك العرس في الوقت الذي تم الإتفاق عليه مسبقا، وكانت فعاليات العرس تمتد لمدة إسبوع كامل ولنبدأ بالفعاليات المتعلقة بالمعرس : في بداية الإسبوع ويكون عادة من يوم السبت، يجتمع الشباب من أهل المعرس وأصدقائه وشباب القرية جميعا عند بيت المعرس حيث يبدؤون في الصباح الباكر ببناء السبل ( مضلات من الدعون) ولا يتوقفون حتى ينجزونها جميعا ثم بعد ذلك يتوجهون لبيت العروس ويبنون السبل في المكان الذي تحدده أم العروس.

وتكون أم المعرس أو من ينوب عنها مسئولة عن إعداد وجبة إفطار لجميع الشباب الحاضرين ويساعدها في ذلك أغلب نساء القرية من الأهل والجيران والأصدقاء، ثم بعد ذلك في اليوم التالي وبعد صلاة الفجر مباشرة يجتمع الشباب أمام بيت المعرس وهم مسلحين بالمناشير والحبال وسيارات (البيكب) للذهاب لإحضار الحطب، وبعد التجمع ينطلقون للسيح ويعودون محملين بالحطب الذي يقومون بتنزيل معظمه في المكان الذي سيتم الطبخ فيه وفي العادة يكون عبارة عن (حوش فاضي) أو سكة كبيرة قريبة من بيت المعرس، ولكن لابد من حجز سيارة أو إثنتين محملات بالحطب لإنزالها في بيت العروس بناءا على الإتفاق المسبق عند الخطبة حيث يتم الإشتراط على الحطب عن الإتفاق على المهر والذبايح.

والجدير بالذكر أن الشباب يتنافسون فيما بينهم فالفريق الذي يعود وسيارته محملة بأكبر كمية من الحطب الجيد هو الفريق الفائز، و عند إنتهاء الشباب من تنزيل الحطب يجتمعون لتناول وليمة الإفطار(الريوق) في بيت المعرس وتكون أم المعرس ومعاوناتها في حالة إستنفار من الفجر أو حتى قبلها بليلة خصوصا إذا كان الريوق يشمل (باجل ودنيو) بالإضافة لذلك يتم إعداد الفريد والهريس والبلاليط ، وما أحلاها من وجبة بعد جوع الاحتطاب من السيح.

في يوم الإثنين يكون بيت المعرس مشغول من الصباح والولائم مستمرة سواء للحضور الذين قدموا خصيصا للمساعدة ويتجمعون في بيت المعرس من الصباح إلى الليل وبالتالي فجميع وجباتهم على المعرس، ولكن الأهم من هذا الإعداد لوليمة الليل حيث سيحضر الرجال للرزفة وبالتالي لابد من تناول القهوة وهي تشمل(الفواكه والقهوة ووجبة شعبية ) وتكون الوجبة الشعبية في الليلة الأولى إما عصيدة أو عرسية أو خبيصة، ولا بد من توفر أشياء أخرى مثل الإنارة والمراوح والثلج خصوصا في فصل الصيف وجميع هذه الأشياء يتم إعدادها قبل الليل.

وفي الليل يبدأ الرجال في الحضور وتبدأ الرزفة بعدد قليل ثم تزيد الأعداد ويتم تعطيرهم بماء الورد وتبخيرهم بالعود، والرزفة بحد ذاتها لها موضوع خاص بذاته سيتم طرحه قريبا في المنتدى، على العموم بعد عدة أدوار من الرزفة يجلس الرجال للإستراحة ويتم إحضار القهوة ( الفواكه والقهوة والوجبة الشعبية) وبعد إنتهاء القهوة ينصرف معظم كبار السن ويبقى الشباب لأداء بعض الرقصات الشعبية مثل السومه أو الليوه .

ونفس العادات يتم تأديتها في يوم الثلاثاء مع إختلاف الوجبة حيث تكون عرسية إذا كانت بالأمس عصيدة، وفي يوم الأربعاء تكون هريس ، وطبعا العرس مستمر من الصباح إلى الليل بجميع تفاصيله الصغيرة والكبيرة، وعند إنتهاء الرزفة في وقت متأخر من الليل يقوم الشباب بحمل المعرس لبيته حيث تقوم إحدى قريباته من النساء، أو إحدى المتمرسات من كبار السن بوضع الحناء على يديه ورجليه على شكل (غمسة) وفي تلك اللحظات بالذات يقوم الشباب بالغناء والرقص وطبعا في جو سعيد وفرح،وبعد الإنتهاء من وضع الحناء يحملون المعرس على الأكتاف إذا كان بيته قريب،وأما إذا كان بعيد يحمل في سيارة (بيكب) والشباب معه على شكل زفة ويغتسل في الفلج للتخلص من بقايا الحناء،وكثيرة هي الأحيان التي يرمى فيها المعرس أو بعض أصدقائه في الفلج،وياويلهم لو كان الوقت شتاء.

ويوم الخميس يتزايد عدد الحضور فالأهل والأصدقاء من الإمارات يحضرون، وكذلك الذين أرتبطوا بأعمال طوال الأسبوع يحضرون يوم الخميس وتكون نفس التفاصيل رزفة وقهوة ومن ثم رمسة الشباب سومه أو ليوه ، ولم تكن هناك فرق خاصة مثل .... و .... ولكن كان الإحتفال يقتصر على شباب القرية فقط.

ويتم في هذا اليوم ذبح الذبائح إستعدادا لوجبة غداء (التصبوحة) ومرة أخرى يجتمع الرجال بمختلف الأعمار إما في مزرعة أو في مكان قريب من مكان الطبخ، ويتم ذبح الأبقار والأغنام ويتعاون الجميع، ومع هذا فإن عملية الذبح تقتصر على أسماء معروفة لمعت وتألقت في هذا المجال مثل : عبيد بن معيوف وخليف وخميس مبيوع وغيرهم كثيرين أما السلخ والتقطيع فهي مهمة الجميع، وبعد ذلك يحمل اللحم في السيارات بالإضافة للعيش، وينقلون للفلج حيث يتم تغسيلهم هناك ويستغل الشباب هذه المناسبة للمرح والعبث حيث يقومون بتلطيخ ملابس بعضهم البعض بالدم وذلك من باب المزاح.

(توجد صورة مرفقه بهذا الموضوع إلتقطت في العام 1984 أثناء تقطيع اللحم).

وفي الساعة العاشرة مساءا يتوجه الجميع للزفة والتي أختلفت عن الزفة في يومنا هذا فرغم وجود الفوضويين منذ تلك الفترة ولكن لم يكون لهم القسم الأكبر من الزفة ، فعند الوصول لبيت العروس كان الرجال يصطفون في صفين ويؤدون الرزفة ويستمرون كذلك حتى يتنهي المعرس من نقل عروسه وأغراضها في السيارات ثم بعد ذلك يقوم بإطلاق ثلاث طلقات فرحة بحصوله على عروسه وإستعداده للتحرك بها لعش الزوجية، وعند العودة يستمر الشباب في إحتفالهم حتى وقت متأخر من الليل.

وفي يوم الجمعة يوم التصبوحة يحضر الضيوف بالإضافة لأهالي القرية والقرى المجاورة لتهنئة العريس بعد الدخله، وتستمر الرزفة والساعة 8 صباحا القهوة والهريس، وثم الغدى ليس بعد الساعة 11 ولكن قد يأتي بعض الضيوف من الأماكن البعيدة فيقدم لهم الغداء بعد صلاة الجمعة.(وتميز بعض الرجال من إحدى القرى المجاورة والقريبة بتأخرهم عن موعد الغداء حتى صارت عادة إرتبطت بهذه القرية، ودائما تذكر من باب المزاح).

هذا بالنسبة للتقاليد المتبعة في عرس الرجل، وأكتفي بهذا القدر في الجزء الأول، أما بالنسبة للجزء الثاني سأتناول عرس النساء بجميع تفاصيله من ( خدر،وزهبه وهزيمة وتصبوحه و.... إلخ) كما سأتعرض في الجزء الثاني لعرس البلوش في فلج القبائل مثل ( السبوح في الرج) و (الورة)، ولكن حتى طرح الجزء الثاني أنا في انتظار مشاركاتكم في الموضوع، وصدري رحب لأي إنتقاد بناء أستفيد منه وأفيد .